من كتاب صوت الحرية

مقطع من كتاب: صوت الحرية الذي كتبته زوجة رائف بدوي

بدأ عام ٢٠١٥ بالعنف – مجلة تشارلي إيبدو

في اليوم التالي تحدثت إلى رائف. كنت قد تحدثت إليه و هو في السجن عدة مرات من قبل ولكني لن أنسى أبدا هذه المكالمة

سألته: هل سمعت عن الهجوم الذي وقع في باريس؟

قال: لا

كان من الواضح أن شيئا آخر يشغل باله – ثم قال لي:

إنصاف، سأقول لك شيئا. و لكن عديني أن تكوني شجاعة و ألا تقولي للأطفال

قلت: طبعا

قال: غدا سيبدا تنفيذ الحكم الصادر ضدي

استغرق الأمر مني بعض الوقت لأفهم ما قال فتابعني قائلا:

نعم… أول ٥٠ جلدة. سأمثل غدا أمام المسجد الكبير في مدينة جدة

لم أعرف ماذا أقول. على مدى الأسابيع القليلة الماضية كنت قد قمعت تماما فكرة أن جزء من الحكم علي رائف كان الجلد. كنت ببساطة لا أتصور أن السلطات ستفعلها

قلت له بمنتهي الصعوبة: هذا مستحيل

فقال: مع الأسف – إنه أمر سيحدث

ماذا يمكن قوله في موقف مثل هذا؟ ماذا تقول عندما يكون الشخص الذي تحبه يخبرك أنه ذاهب ليتم جلده علنا و بمنتهي المهانة؟

قال لي مصطنعا البهجة: لا تقلقي – أنا حمول و صبور. و ساأكلمك في أقرب وقت ممكن

لم أنم تلك الليلة. حسبت الفارق الزمني بين كندا والسعودية وحاولت تحديد بداية اليوم الرهيب لرائف. متي سيوقظه الحراس؟ متي سيمثل في ساحة القصاص؟ هل بدأوا بالفعل؟؟

في الصباح، و قبل أن يستيقظ الأطفال صادرت كافة أجهزة الكمبيوتر  والهواتف في الشقة، واوقفت التلفزيون. قلت للأطفال أننا نحتاج إلى بضعة أيام خالية من التكنولوجيا. و قلت لهم أنهم لن يذهبوا إلى المدرسة لأنهم سيقضوا يوما في الخارج مع أصدقائنا

و في أول فرصة في الخفاء راجعت صفحة الفيسبوك الخاصة بي. كانت مليئة بدعم الأصدقاء – كانوا مصدومين. هناك من قال (إنها فضيحة) (أوقفوا هذا النظام اللاإنساني) – و كان هناك تنديد شبيه بالتنديد بتشارلي ابدو ( كلها أعمال عنف تستهدف إسكات صوت الصحفيين). وكان هناك العديد من التعليقات الأخرى من هذا النوع

ثم تابعت الأخبار. كان زوجي الخبر الثاني الثاني مباشرة بعد الأحداث في فرنسا. صُدمت عندما رأيت صورته خلف المذيعه – كان إحساسا بشعا أن أسمعها تتحدث عنه كأي خبر في دولة بعيدة

كلمتني أحد صديقاتي فسألتها: هل فعلوها

قالت: نعم – في العلن، وأمام حشد كبير من الناس. لذلك لدينا شهود. قريبا سيكون الفيديو على الإنترنت لأن هناك من صوروا العملية علي هواتفهم

لم يكن من الصعب العثور على المقطع. كنت أشعر أنني مبرمجة – نقرت على الفيديو بيد مرتعشة. ظهر في الفيديو رائف بجسده النحيل من الخلف وسط مجموعة من الناس – و كان يرتدي قميصا أبيض و بنطلونا غامقا و شعره مسدل إلى كتفيه. و كانت يداه مقيدتان أمامه و لم أستطع رؤية وجهه. و كان الحشد الذي حوله يصيح الله أكبر

لم أستطع أن أرى الجلاد – و لكن من الواضح أنه كان يضرب رائف بكل قوته. كان رائف قد أحنى رأسه – و استقبل الضربات على كل ظهره بدء من الكتف و حتي الكعبين – في حين أن الرجال من حوله كانوا يصفقون و يكبرون. كان هذا كثير بالنسبة لي. شيء  لا يوصف. مشاهدة شيء كهذا يحدث إلى الشخص الذي تحب. شعرت بالألم الذي أصاب رائف و كأنه قد أصابني أنا. عامه لولا أني هربت لكانوا فعلوا بي نفس الشيء

ولكن الأسوأ من ذلك كله كان الشعور بالعجز. جلست على الأريكة و أخذت أبكي. لا أعرف كم من الوقت جلست هكذا. رن الهاتف عدة مرات ولكن لم أجب. كنت اتساءل كيف كان رائف الآن؟ كيف كانت شدة الجروح التي تعرض لها من هذا الاعتداء الوحشي؟ هل كسروا عظامه؟ عنف الضربات توحي بأن هذا وارد – فهل سيحصل على علاج طبي؟ كم تمنيت لو كنت أستطيع أن أفعل شيئا

تمكنت من إبقاء الأطفال بعيدا عن كل وسائل الاتصال عطلة نهاية الأسبوع حتى مساء الأحد. ومع ذلك كان هذا الموضوع لا يزال في الصحف. لم اكن أعرف هل أرسلهم إلى المدرسة أم لا

استيقظت مبكرا في اليوم التالي على مكالمة هاتفية من مديرة المدرسة تطلب مني أن أقابلها – فذهبت

في ملعب المدرسة كان الأطفال الآخرين ينظرون إلي و يهمسون. كانت المديرة قد دعت مجموعة من المدرسين و الأخصائيين الاجتماعيين و استشاري المدرسة النفسي إلى المقابلة

قالت: من المهم أن نفكر معا كيف نضمن أن أطفالك لا يعانون أي ضرر من جراء ما حدث. المعلمون وأنا و الاستشاري النفسي و الاجتماعي سنتحدث إلى التلاميذ –  سوف نطلب منهم عدم التحدث إلى أطفالك صراحة عن هذا الموضوع عندما يعودون – و أن يتعاملوا معهم معاملة عادية جدا – لا يبدون فضول أو تعاطف زائد عن الحد

قلت: هذه فكرة جيدة

قالت: يجب عليك استغلال اليوم في أن تخبريهم – لا بد أن يعرفوا

قلت: لا أستطيع أن أفعل هذا

قالت: إنهم سيعرفوا بأي حال – الخبر منتشر و لن تستطيعي أن تمنعي أن يسمعوه. و لذلك من الأفضل أن يعرفوا منك أنت

عرض الاستشاري النفسي أن يأتي معي ليساعدني في إخبارهم بالوضع

في المنزل ناديت علي الأولاد في غرفه الجلوس – كان واضحا على وجهي أن هناك أخبار ليست جيدة

قلت: حدث شيء سيئ في الأيام الماضية

قال ابني: هل هو أبي مرة أخرى؟ هل لهذا لم تسمحي لنا بوسائل الاتصال؟

قالت ابنتي: ماذا حدث؟ أنا قلقة أن والدي لم يتصل الأسبوع الماضي

قلت: إنه بخير (كذبت عليهم للأسف) – و لكن حراس السجن سيئون و ….

لم أستطع منع دموعي – فالتقط الأخصائي النفسي طرف المحادثة و قال:

لقد ضربوا والدكم – آذوه بشدة – و لكنه الآن قد تعافي

كان رد فعل الأولاد غريبا – في الحقيقه لم يكن هناك رد فعل على الإطلاق. ظلوا صامتين و لم يسالوا أي سؤال. حاول الطبيب قصارى جهده لشرح الوضع لهم

قال لي الطبيب قبل أن يغادر: هم محتاجون إلى بعض الوقت لمعالجة كل هذا

و فعلا أخذ أولادي وقتا للتعامل مع هذه الصدمة – مرضوا و اشتكوا من آلام في المعدة – و لم يذهبوا إلى المدرسة – و ظلوا صامتين حتى فيما بينهم

لم أسمع شيئا عن رائف لمدة أسبوع – ثم كلمني. كان صوته ضعيفا، لكنه كان يحاول إخفاء هذا

قال: أنا بخير – المهم كيف حالك والأطفال؟

بدأت على الفور في البكاء. فقال: من فضلك لا تبك أمام الأطفال

قلت: كيف حالك؟ هل أنت متألم؟

قال: أنا بخير – فقط الجروج تلتئم ببطء

قلت: هل تلقيت العلاج المطلوب؟

قال: نعم رآني الطبيب وقال أنني لست لائقا للجلد مرة أخرى لفترة

تخيلوا أن هذا كان خبرا جيدا..لأنه كان يعني أنهم لن يعذبوه على الأقل هذا الأسبوع

قلت: العالم كله يتحدث عن مصيرك – و الأطفال قد عرفوا

قال: أنت تفعلين ما تستطيعين فعله – و الأمر ليس خطؤك – كيف حالهم؟

قلت: هم اقوياء – اليسو أولادك؟

و لا زال رائف بدوي في السجن و لا أحد يعرف متى سيخرج – و تهمته الوحيدة هي إنشاء موقع علماني في السعودية

أضف تعليق